فصل: مسألة النصرانية ظئرا للرجل تأتيه يوم النحر لتأخذ فروة أضحية ابنها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الضحية إن شح عليها أهل الميراث:

قال مالك في الضحية: إن شح عليها أهل الميراث باعوها وذلك قبل أن يضحى بها، وإذا مات وقد ذبحها كانت لأهله يأكلونها ولم تبع، وهو قول مالك، وإن كان قد أفرز منها شيئا لأحد من أهله، فهي له إذا أشهد عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: إن لأهل الميراث أن يبيعوا الضحية إذ مات عنها الميت قبل أن يذبحها صحيح؛ لأنها لا تجب إلا بالذبح خلاف الهدي الذي يجب بالتقليد والإشعار، وقوله: إذا مات وقد ذبحها أنها تكون لأهله يأكلونها يريد لأهل بيته يأكلونها على ما كانوا يأكلونها لو لم يمت ورثة كانوا أو غير ورثة، وهو أظهر مما يأتي في رسم سن من هذا السماع، وفي رسم العتق من سماع عيسى من أن الورثة إنما يقسمونها بينهم على الميراث؛ لأن الورثة إنما يقسمون على الميراث ما تكون فيه الوصية والذين قال الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]. وقوله: إذا مات وقد أفرز شيئا منها لأهله كان له إذا أشهد عليه صحيح؛ لأن ذلك كالهبة لا تصح مع التنازع إلا بالبينة.

.مسألة جز الضحية بعد أن تسمى قبل أن يذبحها:

قال: وسمعت مالكا قال: لا تجز الضحية بعد أن تسمى قبل أن يذبحها؛ لأن ذلك ينقص من ثمنها، ولكن إذا ذبحت فيجزها إن شاء لنفسه، فإنما هي بمنزلة اللحم، قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: فإن جزها، ثم ذبحها لم يعد لغيرها وبئس ما صنع ولينتفع بصوفها ولا يبعه، قال سحنون: ولو باع الصوف لم أر بأسا أن يأكل ثمنه إذا كان جزه قبل الذبح، فإن جزه بعد الذبح فلا يأكله.
قال محمد بن رشد: الضحية عند مالك لا تجب أضحية وتصير نسكا إلا بالذبح، وإن اشتراها ليضحي بها وسماها أضحية، فلا يجب عليه بذلك ذبحها، وله أن يبدلها بخير منها، فكراهيته لها أن يجز صوفها من نحو كراهيته له أن يبدلها بدونها، ويستفضل من الثمن، وذلك بين من قوله: لأن ذلك ينقص من ثمنها، وقوله: إن جزها فلينتفع بصوفها ولا يبعه، يريد أنه يؤمر بذلك استحبابا كما يؤمر أن يتصدق بما استفضل من ثمنها إذا باعها واشترى غيرها؛ لأن ذلك عليه واجب، وإنما يستحب له ذلك لئلا يرجع عما نوى من الخير، قال إسماعيل القاضي: ولو اشترى الرجل أضحية، فقال: قد أوجبتها أضحية لوجب عليه ذبحها ولم يكن له بيعها، قال غيره: وتكون بذلك كما أشعر وقلد من الهدي في جميع الأمور إن تعدى عليه أحد فذبحه أجزأ عن صاحبه، وإن أصابه عيب لم يضره، وهو بعيد؛ لأنه يلزم عليه إن مات قبل أن يذبحه أن يجزيه ولا يكون عليه أن يعيد بأضحية أخرى على القول: بأن الضحية غير واجبة، وأما التسمية من غير إيجاب فلا يحرم عليه بيعها ولا بدلها، فقول سحنون: ولو باع الصوف لم أر بأسا بأكل ثمنه يريد أنه لا حرج عليه في ذلك إن فعل، فهو تفسير لقول مالك والله أعلم.

.مسألة تلقي السلع:

ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها:
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يخرج يوم الأضحى إلى مثل الاصطبل وهو نحو من ميل ليشتري ضحايا، وهو موضع يجتمع فيه الغنم والناس يخرجون إلى السوق ليشتروا منها، قال: ما يعجبني ذلك، وقد «نهى عن تلقي السلع»، فلا أرى أن يشتري حتى يهبط إلى السوق، والضحايا أفضل ما احتيط فيها؛ لأنه يتقرب إلى الله بذلك فلا أرى ذلك.
قال محمد بن رشد: «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تلقي السلع حتى يهبط بها إلى السوق»، فلا يجوز للرجل أن يخرج من الحاضرة إلى الجلائب التي تساق إليها، فيشتري منها ضحايا ولا ما يأكل ولا التجارة، وكذلك إن مرت به على بابه في الحاضرة، فلا يجوز له أن يشتري منها شيئا حتى يهبط بها إلى الأسواق، إذ لا مؤنة عليه في النهوض إلى السوق لقربه، وأما إن مرت به على قريته على أميال من الحاضرة، فيجوز له أن يشتري منها ما يحتاج إليه لا لتجارة لمشقة النهوض عليه إلى الحاضرة، يبين هذا ما وقع بعد هذا في رسم تأخير صلاة العشاء، وفي رسم أوله عبد استأذن سيده من سماع عيسى، فإن ضحى بما اشترى في التلقي فروي عن عيسى بن دينار أنه قال: عليه البدل في أيام النحر ولا يبيع لحم الأولى، وهذا عندي على الاستحباب ليس على الوجوب؛ لأنه إنما ضحى بما دخل في ضمانه بالابتياع على قول من لا يوجب فسخ البيع، وعلى قول من يوجب فسخه لمطابقته النهي؛ لأنه بالذبح يمضي بالثمن أو يلزمه فيه القيمة يوم القبض، فإنما ضحى بما قد ملكه قبل الذبح ملكا صحيحا أو بشبهة ارتفعت بالذبح، ووجه استحسان البدل مراعاة قول من يقول: إن البيع الفاسد كلا بيع، ولا ينتقل به ملك البائع وتكون المصيبة منه إن تلفت ببينة، فيكون على هذا القول كأنه قد تعدى على كبش رجل فضحى به، وفي ذلك اختلاف من القول سيأتي القول عليه في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الضحية ثم يبدو له أن يعطيها أمه:

ومن كتاب أوله شك في طوافه:
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يشتري الضحية، ثم يبدو له أن يعطيها أمه، قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: يريد ويشتري هو لنفسه غيرها مثلها أو أفضل فيضحي بها ضحت أمه بالتي أعطاها أو لم تضح بها، ولو اشترى شاتين ليضحي بهما، ثم بدا له أن يعطي أمه إحداهما، فإن كان أعطاها إياها لتضحي بها، فذلك جائز ولا شيء عليه إذ لم تخرج الشاة عن كونها متقربا بها كمن اشترى شاة ليضحي بها، ثم بدا له أن يشرك فيها أهل بيته عنه وعنهم، وأما إن كان أعطاها إياها لتملكها ولا تضحي بها، فلا يجوز له ذلك إلا أن يشتري ضحية فيضحي بها مثلها أو أفضل منها.

.مسألة مكان ذبح أضحية الإمام:

وسئل مالك: عن الإمام أترى أن يأتي بأضحيته إلى المصلى فيذبحها فيه؟ قال: نعم أرى ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في الصلاة الثاني من المدونة وهو مما يستحب للإمام أن يفعله ليقتدي الناس به، فيذبحوا بعد ذبحه لما جاء من «أن أبا بردة بن دينار ذبح أضحيته قبل أن يذبح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يعود بأضحية أخرى»، الحديث، فإن لم يفعل ذلك الإمام وجب على الناس أن يؤخروا ذبح ضحاياهم إلى قدر ما يبلغ الإمام فيذبح عند وصوله، وليس لهم انتظاره إن تراخى في الذبح بعد وصوله لغير عذر، فإن أخر الذبح لعذر من اشتغال بقتال العدو أو غيره انتظروه ما لم يذهب وقت الصلاة بزوال الشمس، وقال أبو المصعب: إذا لم يخرج الإمام أضحية إلى المصلى، فليس على الناس أن ينتظروه حتى يرجع إلى منزله، ومن ذبح بعد القدر الذي كان يذبح فيه بالمصلى فأضحيته في ذلك جائزة، والمراعى في ذلك الإمام الذي يصلي صلاة العيد بالناس إذا كان مستخلفا على ذلك، ومن أهل العلم من يرى أن من ذبح قبل ذبح الإمام فأضحيته جائزة إذا ذبح بعد الصلاة، وهو مذهب أبي حنيفة، وحجتهم ما جاء من «أن عويمر بن الأشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى، وأنه ذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره أن يعود بأضحية أخرى»، وما روي من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد»، ومن طريق النظر أنه لما كان الإمام وغيره سواء في الذبح قبل الصلاة لا يجزي وجب أن يكون هو وغيره سواء في الذبح بعد الصلاة جائز، قالوا: ومما يدل أن الذبح مرتبط بالصلاة لا بنحر الإمام أن الإمام لو لم يضح لم يسقط عنهم الذبح، وأما أهل البوادي الذين لا يصلون صلاة العيد، فينحرون صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه، فإن تحروا فأخطأوا أجزاهم، قاله ابن القاسم، ورواه عن مالك، وإن لم يتحروا وذبحوا قبل أن يذبح الإمام أعادوا، قاله أشهب، ورواه عن مالك، وقال ربيعة: يجزيهم ما لم يذبحوا قبل طلوع الشمس.

.مسألة ضحي بمكسورة القرن:

ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة:
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يضحي بالمكسورة القرن، قال: لا بأس بذلك إنما هي مثل الجلما إلا أن يكون يدمي، فلا يعجبني ذلك، قال: وما يحتاج إلى القرن؟ فأما الأذن، فإني أكرهه، فقيل له: والتي قد سقطت أسنانها، فقال: أما ما كان من ذلك من الكبر والهرم مثل أن يسقط من الكبر وحفاء الأسنان، فلا أرى بذلك بأسا، وأما لو لم يكن بها كبر وسقط أسنانها لكان ذلك عيبا فلا أرى أن يضحى بها.
قال محمد بن رشد: إنما لم يجز أن يضحى بالمكسورة القرن إذا كان يدمى؛ لأنه رأى ذلك مرضا من الأمراض، وفي الحديث والمريضة البين مرضها، ولأشهب في كتاب ابن المواز أنه إن ضحى بها أجزأته، وإن كان يدمي فلم ير ذلك من المرض البين ورآه خفيفا، وقد قيل: إنه يضحى بها، وإن كانت لا تدمى إذا كان القرن الداخل مكسورا لما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من أنه «نهى أن يضحى بالأعصب القرن والأذن»، وهو قول النخعي وإليه نهى ابن حبيب، وذهب ابن حبيب أيضا إلى التي ذهبت أسنانها من الكبر لا يجوز أن يضحى بها كالتي كسرت أسنانها بخلاف التي سقطت أسنانها من إثغار، فالتي كسرت أسنانها لا يجوز باتفاق، والتي سقطت أسنانها من إثغار تجزئ باتفاق، والتي ذهبت أسنانها من الكبر تجزئ على اختلاف، فقف على ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة يهلك وعنده لحم من لحوم الأضاحي:

ومن كتاب أوله سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يهلك وعنده لحم من لحوم الأضاحي، قال: لا تباع؛ لأنه نسكه وإن كان عليه دين لأنه نسك، ولكني أرى أن يقتسمه ورثته ومعنى قوله: كراهية البيع.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الورثة يقتسمونه خلاف ما تقدم في أول السماع، ولم يقل: كيف يقسمونه بأن كان على الميراث كما قال في رسم العتق من سماع عيسى، أو على قدر ما يأكلون على ظاهر ما في الواضحة لابن حبيب، والأظهر إذا خص الورثة له وأنزلهم فيه منزلة الميت ألا يقتسموه على الميراث وأن يقتسموه على قدر ما يأكلون فيكونون كأنهم لم يقتسموه إذ قيل: إن القسمة بيع من البيوع..

.مسألة النصرانية ظئرا للرجل تأتيه يوم النحر لتأخذ فروة أضحية ابنها:

وسئل مالك: عن النصرانية تكون الظئر للرجل فيضحي فتأتيه يوم النحر فتريد أن تأخذ فروة أضحية ابنها، قال: لا بأس بذلك أن توهب لها الفروة وتطعم من اللحم، قال ابن القاسم رجع مالك، فقال: لا خير فيه، والأول أحب قوليه إلي.
قال محمد بن رشد: اختلاف قول مالك هذا إنما معناه إذا لم تكن في عياله، فأعطيت من اللحم ما تذهب به على ما يأتي في رسم اغتسل، فأما لو كانت في عياله أو غشيتهم وهم يأكلون لم يكن بأس أن تطعم منه دون خلاف، وهذا يرد تأويل ابن حبيب إذ لم يجعل ذلك اختلافا من قول مالك، وقال: معناه إنه كره البعثة إليهم إذا لم يكونوا في عياله وأجاز أن يطعموا منه إذا كانوا في عياله.

.مسألة يجلب الغنم فيمر بها في بعض النواحي هل للرجل أن يشتري منها ضحايا:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس:
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يجلب الغنم فيمر بها في بعض نواحي الفسطاط أترى للرجل أن يشتري منها ضحايا أو حاجة إن كانت له؟ قال: إنه ليكره أن يشتري حتى يهبط بها إلى السوق، فقيل: أفرأيت إن مر بها على قرية من الفسطاط على ستة أميال؟ فقال: أما ما يحتاج إليه من ضحايا أو غير ذلك مما يحتاج إليه، فلا أرى بذلك بأسا وأما ما يريد به تجارة فلا يفعل قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف فلا معنى لإعادته.

.مسألة الأضحية الشاة الهرمة:

وسئل مالك: عن الشاة الهرمة أيضحى بها؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: يريد ما لم يكن هرما بينا، قاله أصبغ أو ما لم تسقط أسنانها من الهرم فيجري ذلك على الاختلاف الذي تقدم في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة.

.مسألة يشتري الضحايا يسميها ثم يريد أن يبدل ضحيته لغيره:

ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق:
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يشتري الضحايا له أو لغيره يسميها ثم يريد أن يبدل ضحيته لغيره، ويذبح عنه ما سمى لغيره، قال: أرى إن أبدلها بخير منها فما أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد: أما ذبحه عن نفسه ما كان سمي لغيره أفضل من التي سمى لنفسه، فلا بأس بذلك، وأما ذبحه عن غيره ما كان سمى لنفسه، وهي أدنى من التي كان سمى له فذلك مكروه؛ لأنه قد وعده أن يذبح عنه سمينا فيكره له أن يذبح عنه أدنى مما كان وعده به، فالاختيار له إذا ذبح عن نفسه ما كان سمى لغيره أن يشتري لغيره مثله أو أفضل وهذا بين.

.مسألة إعطاء أهل الذمة من الضحايا:

ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية:
مسألة وسئل مالك: عن أهل الإسلام أيهدون من ضحاياهم لأهل الذمة من جيرانهم؟ فقال: لا بأس بذلك، ورجع عنه بعد ذلك، وقال: لا خير فيه غير مرة.

.مسألة البدنة والبقرة تجزئ في التطوع عن السبعة في الضحايا:

ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا:
مسألة قال: وقال مالك: أرى البدنة والبقرة تجزئ في التطوع عن السبعة في الضحايا أو أكثر من ذلك، كل واحد منهما، والكبش يذبحه الرجل عن أهل البيت، وأحب ذلك إلي إذا كان موسرا أن يذبح كل إنسان منهم شاة شاة يريد بذلك الضحايا، ولا يشترك في شيء من البدن تطوعا ولا غيره في الهدي، وإن كان أهل بيت واحد.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من استحبابه أن يذبح عن كل نفس شاة شاة، وروى حديث ابن عمر أنه لم يكن يضحي عما في البطن إذ فيه دليل على أنه كان يضحي عن المولود إذا ولد أحب إليه من حديث أبي أيوب الأنصاري «كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة».

.مسألة توسم الغنم في وجوهها:

قال مالك: أكره أن توسم الغنم في وجوهها، ولا أرى بآذانها بأسا أن توسم، وذلك أن الشعر والصوف يغشي جسدها كله فيغيب السمت، وأما البقر والإبل فتوسم في غير ذلك من جسدها؛ لأنها ليست في أوبارها وأشعارها مثل الضان والمعز.
قال محمد بن رشد: إنما كره أن توسم الغنم في وجوهها لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المثلة، ولم يكن سبيل إلى أن توسم في أجسادها من أجل أن الشعر يغشاها، فيغيب السمت أجاز أن توسم في آذانها للحاجة إلى سمتها، والمعنى في هذا بين.

.مسألة الضحية أيطعم منها النصراني:

ومن كتاب أوله مساجد القبائل:
مسألة وسئل مالك: عن الضحية أيطعم منها النصراني؟ قال: غيره أحب إلي منه، قال ابن القاسم: ما يعجبني.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم سن وفي رسم اغتسل فلا معنى لإعادته.

.مسألة أهل منى هل عليهم أضاحي:

ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات:
مسألة قال مالك: ليس على أهل منى أضاحي من حج منهم، وإن كان من أهلها ولم يحج فعليه، وحدثني عن عبد الله بن أبي بكر كان لأبيه غنم كثيرة بمنى، فما كان يضحي منها بشيء.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وغيرها: أن الحاج سنتهم الهدايا دون الضحايا كانوا من أهل منى أو غيرهم، وأن سائر الناس سنتهم الضحايا دون الهدايا كانوا من أهل منى أو غيرهم؛ لأن الله ذكر الهدايا في الحج، وأهدى رسول الله في الحج، وضحى في غير الحج، فصار ذلك منهاج الإسلام وشرعته، وفي المبسوطة لابن كنانة أنه لا يضحي أحد بمنى ظاهره، وإن لم يكن من الحاج وهو شذوذ، وروي عن عائشة أنها كانت لا تنكر على من ضحى ممن حج ولا على من لم يضح.

.مسألة أفضل الضحايا:

ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت:
مسألة قال مالك: في الضحايا الضأن أعجب إلي من المعز، والمعز أعجب إلي من البقر، وإناث الضأن أعجب إلي من فحول الضأن المعز.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في المذهب أن الغنم في الضحايا أفضل من الإبل والبقر، بخلاف الهدايا، وظاهر هذه الرواية أن البقر أفضل من الإبل، فأفضل الضحايا فحول الضأن، ثم خصيانها، ثم إناثها ثم فحول المعز، ثم خصيانها ثم إناثها ثم ذكور البقر، ثم إناثها ثم ذكور الإبل ثم إناثها، وقال ابن شعبان: بعد إناث المعز ذكور الإبل، ثم إناثها ثم ذكور البقر ثم إناثها، وجه قول مالك أن المقصود في الضحايا طيب اللحم لا كثرته؛ لأنه لأهل البيت فالأفضل فيها الأطيب لحما، وإن كانت أقل، كما أن الضأن أفضل من البقر؛ لأنها أطيب لحما، وإن كانت أقل منها، فكذلك البقر أفضل من الإبل؛ لأنها أطيب لحما وإن كانت أقل منها ووجهه كما ذهب إليه ابن شعبان: أن الغنم إنما كانت أفضل في الضحايا من أجل أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما ضحى بالغنم اتباعا لملة إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ فدى الله تعالى ابنه عَلَيْهِ السَّلَامُ بكبش فضحى به مكان ابنه، وقال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، فإذا لم يضح بالغنم المرغب في التضحية بها للتأسي بفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبيه خليل الرحمن فالإبل أفضل من البقر؛ لأنها أعلى ثمنا وأكثر لحما، وقد «سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي رقاب أفضل؟ فقال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها»، والشافعي يذهب إلى أن الضحايا كالهدايا الإبل، ثم البقر ثم الغنم ومن حجته الحديث من اغتسل، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، الحديث إلى قوله: «فكأنما قرب كبشا أقرن»، وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يريد الهدي، وكذلك في بعض الآثار «من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما أهدى بدنة» فسقطت حجته بالحديث، وقال أشهب في ديوانه: الضحية بالغنم أحب إلي بالأمصار وبالإبل والبقر أحب إلي بمنى، ولا ضحية على الحاج بمنى، وبالله التوفيق.

.مسألة يهب لجاريته جلد أضحيته أترى أن تبيعه:

ومن كتاب نذر سنة:
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يهب لجاريته جلد أضحيته أترى أن تبيعه؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: إنما لم يجز لها أن تبيعه؛ لأنها أمته وله انتزاع مالها والتحجير عليها فيه، فإذا باعته فكأنه هو البائع له، ولو وهب الجلد لمسكين لجاز للمسكين أن يبيعه لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة»، الحديث، ولقوله في اللحم الذي تصدق به على بريرة «هو عليها صدقة ولنا هدية».

.مسألة تغالي الناس في الضحايا:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك رَحِمَهُ اللَّهُ من كتاب الجنائز والذبائح والنذور مسألة قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن تغالي الناس في الضحايا، قال: إني أكرهه، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه ليشتر كما يشتري الناس وإن غلت، وربما غلت الأشياء فتنوولت على ذلك، وأما الذي يجد بعشرة دراهم فيذهب فيشتري بمائة درهم، فأنا أكرهه، هذا يدخل على الناس مشقة إذا كان هكذا.
قال محمد بن رشد: هذا مكروه كما قال؛ لأن العمل به يدخل على الناس ضررا في أموالهم وفسادا في نياتهم وأعمالهم؛ لأن ذلك يتراقى في الناس حتى يفعلوه مباهاة وسمعة لا ابتغاء قربه، وقد قال أبو أيوب الأنصاري:
«كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهله، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة» وذلك في ذلك الزمان، فكيف به الآن؟

.مسألة الكباش تطول أذنابها فيقطع الراعي قدرا منها ليخف أفيجتنب في الضحايا:

وسئل مالك: عن الكباش تطول أذنابها حتى تسحبها فيقطع الراعي منها قدر قبضة ليخف أفيجتنب في الضحايا؟ قال: نعم أرى أن يجتنب إذا وجد غيرها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الكاملة الخلق التي لم يقطع من ذنبها شيء أفضل؛ لأنها توضع في يوم القيامة في ميزانه بكمال خلقها ووفاء شعرها، وروي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة في قونه أي كتاب حسناته بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الذم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع في الأرض فطيبوا بها نفسا»، وهي تجزئ إلا أن تكون بتراء، وهي التي قطع من ذنبها النصف أو الثلث، قاله ابن حبيب، وهو قول ابن وهب، ولم يحد فيه في المدونة نصفا من ثلث، وقال ابن المواز: النصف كثير من غير أن يحد فيه حدا، فظاهر قوله: إن الثلث عنده يسير فيأتي في الثلث قولان؛ لأنه آخر حد اليسير وأول حد الكثير، والربع يسير باتفاق، والنصف كثير باتفاق، والأذن كالذنب فيما يستحب منه مما لا يستحب، وأما اليابسة الأطبا، فإن بقي بعضها فإنها تجزي قاله ابن المواز.

.مسألة الضحية في السفر:

قال: وسألته عن الضحية في السفر فقال: أحب إلي أن يضحي إذا قدر على ذلك، والضحية في السفر والحضر سواء، إلا أن المسافر عسى به أن يشتغل ولا يقدر على الإقامة في التماس الضحايا، قال مالك: بلغني أن رجلا سافر فأدركه الأضحى في السفر، فمر على راع وهو يرعى على رأس جبل، فقال: يا راعي، أتبيع مني شاة صحيحة أضحي بها؟ قال: نعم، قال: أنزلها فاتركها فاشتراها منه، ثم قال له: اذبحها عني فذبحها الراعي، وقال: اللهم تقبل مني، فقال له ذلك الرجل: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، ثم سار وتركها.
قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه قال: إن ما في هذا الحديث أن ابن عمر ضحى في السفر، وأما المبالغة فيما فعل الراعي على طريق الفقه، فالأجزى وتجزي عن الراعي، ويضمن قيمتها له، ويضحي بغيرها كمن تعدى على أضحية رجل، فذبحها عن نفسه، وتابعه الفضل على تأويله فقال: بل لا يجزئ عن واحد منهما على أصله المتقدم، وليس ذلك بصحيح؛ لأن الراعي لم يتعد على ابن عمر في ذبح أضحيته، وإنما ذبحها بأمره فهو حاضر مستنيب له في ذلك، فوجب أن تكون النية في ذلك نيته لا نية الراعي، كمن أمر رجلا أن يوضئه فوضأه النية في ذلك نية الآمر الموضإ لا نية المأمور الموضئ، ألا ترى أنه لو نوى فيها لابن عمر خلاف نيته من ذبحه إياها له على أنها شاة لحم لم يؤثر ذلك في نيته، وإنما قوله فيما ذبح لغيره وبأمره: اللهم تقبل مني بمنزلة قوله: اللهم تقبل مني صلاة فلان وصيامه، فذلك لغو ودعاء غير مقبول، على أنه يحتمل أن يكون الراعي أراد: اللهم تقبل مني عملي في ذبحي الذبيحة عنه ومعونتي إياه على نسكه ولا تحرمني الأجر في ذلك، ولعله ظن بعمله أن الأجر في ذلك له لا لابن عمر، إذ تولى ذبحها هو عنه وفهم ذلك منه ابن عمر، ولذلك قال له: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، ولو رأى ابن عمر أنها لا تجزيه لما قال للراعي: ضح بغيرها، وهذا كله بين وفيه دليل لقول أشهب في النصراني واليهودي: يذبح أضحية رجل بأمره أنها تجزيه، وبئس ما صنع.

.مسألة يأتي إلى الراعي بفلاة من الأرض ليشتري منه الشاة:

وسئل مالك: عن الذي يأتي إلى الراعي بفلاة من الأرض ليشتري منه الشاة، فقال: ذلك مختلف من الرعاة، ربما كان الراعي صاحب الغنم، فأما الغلام الرغد الأسود الأعجمي الذي ليس مثله يؤتمن، فأحب إلي ألا يشتري منه شيئا، وأما العبد الفصيح الذي مثله يبيع لا مثله يقول لي فيها أو أمرني أهلي أن أبيع، فأرجو أن يكون ذلك واسعا، وهذا البيع فرصة.
قال محمد بن رشد: يريد أنه إن كان العبد في هيئته ممن يشبه أن يؤتمن على البيع صدقا اشترى منه، وإن كان ممن لا يشبه ذلك منه لم يصدقه ولم يشتر منه، وفي سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس ما ظاهره أنه لا يشتري منه إلا بإذن أهله ولا يصدقه في قوله إذا لم يكن ممن يبيع ويشتري، ويحتمل أن يفسر ما ها هنا، فإن حمل على ظاهره فذلك على التورع لا على ما يلزم، ويجوز بدليل فعل ابن عمر في المسألة التي قبل هذه.